مؤتمر عالمي حول دور القرآن الكريم في حفظ الهوية الإسلامية
روني ألفا ممثلًا المُرتَضى يتألق ويبهر الوفود المشاركة في طهران
شارك الكاتب والاعلامي روني ألفا ممثلًا وزير الثقافة القاضي محمد وسام المُرتَضى في الملتقى القرآني الثاني بطهران حول ” دور القرآن الكريم والمقاومة في تثبيت الهوية الاسلامية” بحضور كبير من مختلف الدول العربية والاسلامية التي تمثلت بأئمتها وعلمائها ومرجعياتها الدينية وذلك بحضور وزير الثقافة في الجمهورية الاسلامية في ايران محمد مهدي اسماعيلي.
وفي خطوة ملفتة كلّف المُرتَضى الكاتب والاعلامي روني ألفا الذي كان الشخصية المسيحية الوحيدة المشاركة أريد منها ابراز دور لبنان الرسالة في التقريب بين الأديان حيث تألّق ألفا وأبهر المؤتمرين مستهلًا مداخلته بعد استشهاده بسُوَر من القرآن الكريم:
” قد يعتري بعضَنا العجبُ من غيرِ مسلمٍ يحلُّ ضيفًا عليكم ويغوصُ في مبحثِ الهوية الاسلامية فيما لديه كتابٌ آخر يَركُن اليه في عزلة تأمله وارتقائه الروحي ، وفي الغوصِ عرضَ البحر كما تعلمونَ مخاطرُ الأمواجِ العاتياتِ تتلاطمُ على النفسِ المُبحِرَةِ فتغرِقُها في المِهاد وتفسِدُ عليها متعةَ العومِ وملاذ الموانئ.”
وأضاف: ” ولكن هل يقرأُ الآخَرُ الماثلُ أمامَكم حقًّا في كتابٍ آخَر؟
ألَم تعلِّمَنا سورةُ البقَرة ” قُولُوا آمَنّا بِاللهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهیمَ وَ إِسْماعیلَ وَ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِیَ مُوسى وَ عیسى وَ ما أُوتِیَ النَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لانُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ؟ ألسنا إذن سواسيَّةً في عينِ الله خلَقَنا لنعبدَهُ ولِنمجِّدَ آياتِ خلقِه؟ وهل جنسُنا البشريُّ يختلفُ في وحدةِ الجذور عن وحدةِ الطبيعةِ بكل ما فيها؟
فما هو الفرقُ في منطق البستان بين الكومِثْرى والإجاصِ في الفاكهةِ سوى بتنوّعِ النكهة وما هو الفرق بين العصفور والنّسر وكليهما يصفقان بأجنحة ويعاينان جمال الوهاد والهضاب بتحليقهما فبأيِّ مِعيارٍ نفرّقُ إذن بين الإنسان والانسان؟ أولَسنا مُعَدّينَ بِفِطرَتِنا لنحقِّق بفعلِ ارتقائنا تشاركيةَ الأتراح وتفاعلية الأفراح؟”.
وتساءل ألفا: ” أوليست الهويةُ المنشودةُ أن يبكي أحدُنا فيَبكي الآخَرُ معه ومن أجلِه ثمَّ يفرحُ أحدُنا فَيفرحُ الآخرُ معه ومن أجلِه فيتحولُ الأنا الى الآخَرِ منعكسًا في الذات الحميمة والآخرُ إلى الأنا منعكسًا في الذاتِ الجَماعية؟ أو ليسَ الله الواحدُ الأحَدُ واحدٌ في كل حالاته وكيفما تنوَّعت وسائلُ عبادتِه؟
أو لسنا كلُّنا متحدون في أقنوم التنوّع؟ ألم يُشِرِ القرآنُ الكريمُ في سورةِ الحُجُراتِ انه جعَلَنا شعوبًا وقبائلَ لِتعارفوا، وإنَّ أكرَمَنا عند الله أتقانا وإن الله عليمٌ خبير؟ “.
وتابع ألفا حول القرآن والتنوع قائلًا: ” لقد أدارَ القرآنُ الكريم التنوُّعَ الإنسانيَّ بتأكيده الألسِنَةَ والألوانَ في سورة الروم ولو شاءَ ربُّنا لجَعلَ الناسَ أُمَّةً واحدةً ولذلك أيها الإخوة نحنُ وإياكم موحَّدون في تنوعِنا والكتابُ الذي فيه أقرأُ يشيرُ أيضًا إليَّ بأن إقرأ لأنه في البدء كانَ الكلمةَ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ”مضيفًا أن ” التعارُفُ هو العروةُ الوثقى التي علَّمَنا فيها القرآنُ الكريمُ إدارَةَ التنوّع. هنا لبُّ المسألَة. أن نتعارَف أي أن نبني أواصرَ علائقِنا بالمعرفَةِ فالإنسانُ عدوُّ ما يجهلُ وصديقُ ما يعلم. كلَّما أوغَلنا في التجاهلِ والجهالَةِ نَمتِ الأحقادُ بين الأنا والآخَر وكلما تَوغَّلنا في التعارف نَمتِ المحبَّةُ بين الذاتِ وأختِها”.
وفصَّلَ ألفا فلسفة الهوية معتبرًا أن ” هنا يكمنُ جوهرُ الهويَّةِ الإسلامية. الهويّةُ حاضنةٌ بالكَينونة لا بالظرفيَّة وحدوثُها ليس وقتًا بل أزمِنة، لا إقصاءَ فيها لأنَّ الأصلَ واحِدٌ والفروعُ لا تُلغي الأصولَ بل هي تجلياتُ التنوعِ في الوحدةِ ولذلك نستشفُّها من القرآنِ الكريم هويَّةً إنسانيَّةً لا هويَّةً دينيةً أو مذهبيَّة. موحِّدَة داخل الاسلام ومُوالِفَةٌ خارجَ الاسلام” مستشهدًا بالآية الكريمة ” وَفِى ٱلْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَٰوِرَٰتٌ وَجَنَّٰتٌ مِّنْ أَعْنَٰبٍۢ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍۢ يُسْقَىٰ بِمَآءٍۢ وَٰحِدٍۢ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍۢ فِى ٱلْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ”.
وفي شرح الآية الكريمة قال ألفا: “منابِتُنا متجاورةٌ في أحشاءِ الحقل متحاورةٌ بالماءِ المقدسِ الذي تُسقى منه ،أغصانُها الوارفِةُ تتعانقُ تحت الشمس وجذورُنا تتشابكُ وتتَّحدُ تحت الأرض، صلافةُ بعضِ الأغصان وجحودُها على باريها يجعلُها تظن انها برتبةِ الجذور فتُدانُ بفتنةِ البلبلةِ وقحطِ اليباس وما هو قدر الغصن المقطوع ايها الأخوة سوى فؤوسِ الحطَّابين ورمادِ المَواقد؟” مؤكدًا أن ” القرآن الكريم يُشير بصراحةٍ أننا مدعوون لاستكشافِ آفاقِ التسامح لا التحليقِ في فضاءاتِ التنابذِ وهي كثيرةٌ إذا أقَمنا في منازل الماضي وقليلةٌ اذا نظرنا الى واقع حال أمَّتنا”.
وأردف قائلًا: ” ولا شك أنَّ وقوعَ الجمهورية الاسلامية في دائرة الاستهداف طوالَ السنواتِ الماضية، إضافة إلى العراق وسوريا واليمن ولبنان ودول عربية وغربية أخرى، والموقفُ الإيرانيُّ من القضية الفلسطينية، قد أعطى مزيدًا من الدَّفع للُغةِ التآلف والتكاتف بين المسلمين بعيدًا عن أسئلة المذهبية لا بل اعطى المزيدَ من الدفعِ ايضًا للغةِ التضامنِ بين المسلمينَ والمسيحيين في المشرق العربي على وجه التخصيص”.
ثم تابع عن الخلافات المذهبية : ” إذا ما نظرنا الى الخلافِ الشيعي السُنّي كَمُعطى تاريخيٍ من جهة والى الدعم الذي تقدّمه إيران للقضية الفلسطينية منذ خمسٍ وأربعين سنةٍ من جهة أخرى، ألا يدعونا ذلك إلى وضع الخلاف المذهبي في خانة السجال العقيم؟ كيف يمكنُ تفسيرُ دعم الجمهورية الاسلامية لفلسطين إن لم نعطه بُعدًا انسانيًا وحقوقيًا بحتًا لأننا اذا قِسنا المبادئ والحقوق على ميزان صراع المذاهب لوجبَ ان يحالفَ الشيعةُ الشيعة ولو على خطأ والسنَّةُ السنّةَ ولو على ضلال والمسيحيةُ المسيحيةَ ولو على باطِل والحال أن فلسطين دحضَت هذه المعادلات ووحدت بين المذاهب والاديان على قاعدة الحق والاخلاق ومبادئ الحرية”.
وتساءل ألفا : ” أفَلم تعطنا فلسطينُ إذن بُعدًا جديدًا للهوية الاسلاميّة؟ يشيرُ بعض الرويبِضَةِ أنَّ فلسطين لم يَرِد ذكرُها في القرآن الكريم ولكن أين تقعُ أرضُ الإسراء؟ يومَها تنمّرَ بعضُ قريشٍ على الرسول الأكرم فصفَّقوا وصفَّروا مُستهزئين لكن الرسولَ الأكرم أكّد على الإسراء بالمعراج كما أكّد رفقتَه النبويَّةَ مع جبريل عليه السلام ما يُعَدُّ تأكيدًا نبويًّا أن إسراء فلسطين مقدمةٌ لمعراج السماء أي أنَّ بيتَ المقدِس منقوشٌ في صدرها وهل نطلب دليلًا أنصَعَ من هذا ليؤكد منزلةَ فلسطين ومحرابها القدسي لدى الله تعالى؟ أليست فلسطينُ قطعةَ أرضٍ سماويّةَ الأريج خصّصها الرسول الأكرم ودَعانا لتَتَبُّعِ خطاه تحريرًا لمقدساتِها؟ أَولسنا والحال هذه في عمق أعماق الهوية الاسلامية كما أشار القرآن الكريم اليها؟ أولسنا نحن المسيحيون مدعوون أيضًا للدفاع عن كنيسة القيامة معراجُنا نحن أيضًا الى مشيئة الله في الجمع بين الجامعِ والكنيسة في وحدةٍ انسانيّةٍ ونضالٍ وجوديٍّ يجعلُ من القدس عاصمتَنا الإنسانيَّةَ من دون منازِع؟ واذا كانت المقاومة الاسلامية في لبنان صنوًا وصيانةً للهوية واذا كنا كمسيحيين مشرقيين في خندق وجودي واحد قَدَرُنا قدَرُها ومسارُنا مسارُها، فالكنيسة بطبيعتها مقاومة لأن المسيح هو المقاوم الأول وملهمُ المسيحيين في نضالهم ومقاومتهم للاحتلال والاضطهاد الذين يتعرضون له من أكثر من ألفَي سنة”.
واعتبر ألفا ان ” دور القرآن الكريم في صياغة الهوية الاسلامية يدعونا اليوم قبل الغد الى نصرةِ أهلِنا في فلسطين ودعم المقاومة فيها كما في لبنان فبدونها تسقطُ الهويةُ وتَنهارُ نظمُنا الاخلاقيةُ والدينيةُ ونخونُ القرآنَ والانجيلَ وتتفككُ لا سمح الله هويتُنا الانسانيةُ القائمةُ كما أسلفتُ على التنوع الذي يرعِبُ الكيان الصهيوني. هذا الكيان الذي بُنيَ على باطِل والذي يستمِدُّ حياتَه من انهيارِ تنوُّعِنا وسقوطِ هويتِنا المتلألةِ كالموزاييك ولبنانُ هو أحد مداميك الهوية الانسانية الذي يختزن في كيانه الاستثنائيِّ السماحَةَ والانفتاحَ والحوارَ والعيشَ معًا تمامًا كتجربة الجمهورية الاسلامية الايرانية التي بشَّر فيها القديس توما بحسب تقليدِنا المسيحي ونشرَ فيها كنيسةَ المشرق في معظم أنحاء آسيا وانطلاقًا منها حينما كانت تُسمَّى بلاد فارس حتى تحوّلتِ الرَّهى الى مركزٍ حضاري للثقافة السريانيَّة واللغة الآراميّة ولذلك نرى في ايرانَ اليوم أكثر من 600 كنيسةٍ يمارس فيها المسيحيون شعائرَهمُ الدينيةَ بحريّةٍ ومنهم أتباعُ الكنيسة الرسولية الأرمنية الأرثوذكسية وكنيسةُ المشرق الآشورية والكنائسُ الكاثوليكية والبروتستانتية، أفلا نرى في ذلك هويّةً اسلاميَّةً إنسانيَّةً جامعةً بما يتماهى مع تعاليم الرسول الأكرم والمندرجات الروحيَّةِ والانسانيةِ للقرآن الكريم؟”
ثم استشهد ألفا بالإمام جعفر الصادق حينما قال : «عودوا مرضاهُم..» أي أبناء المذاهب الأخرى «.. واشهدوا جنائزَهم واشهدوا لهم وعليهم وصلّوا معهم في مساجدهم وأن الرجل منكم أذا صدقَ في حديثِه وورَعَ في دينِه وحَسُنَ خُلقُهُ وأدّى الأمانةَ قيل هذا جعفريٌّ وقيل هذا أدبُ جعفرٍ فيسرُّني ذلك » مستخلصًا أن ” هويتكم ايها الاخوة والحال هذه هي هويتي أيضًا فلا تنظروا اليها بعين التشيُّع فتضيقُ وتضمُرُ بل انظروا اليها بعين الاسلام المُمَسحَنِ فتتعالى وتشمُخُ وبعينِ الإنسانيَّةِ فتتسعُ وترتقي وبقلبِ محمّدٍ وروحِ عَليٍّ فتترَوحَنُ وتتسامى” وهذه الهويَّةُ المنبعثةُ من روح القرآن الكريم هي لقاءٌ وليس تنائي وحوارٌ وليس شجارًا ووحدةٌ وليس افتراقًا وتبادلٌ وليس تنابذًا”.
وختم قائلًا: ” هذه هي الهوية المقدسة والانسانية بامتياز وما كربلاءُ الا تثبيتًا لإنسانيتِها وإذا أردنا أن نأخذَ العِبرة فلنعبُر كربلاءَ سويًا ولنعتبر منها بالفكر والوجدان نراها مدرسَةَ الانسانيةِ لا مدرسةَ دينٍ محدد ومذهبٍ محدد وفرقةٍ محددة فكربلاءُ لم تَعُد لأهلِ البيت وحدَهمُ بل لأهلِ كل البيوتِ المؤمنة. كربلاءُ لم تَعُد حافظةً وحاضنةً للهوية الاسلامية فحسب بل لهويةِ الشهادةِ والتضحيةِ والفِداء وهي الهويةُ الانسانيةُ للمسيحيةِ ايضًا ليس من أجل ان ننسجَ تحالفَ اقلياتٍ وهي نظريةٌ مصلحيةٌ مَقيتة انما لننسجَ هويةً انسانيةً تزيدُنا قدرةً واقتدارًا لنواجه أعداء الانسانية”.